... الثورة ضد الرأسمالية المتوحشة

0






إن الأحداث التي شهدتها فرنسا هذه الأيام ومستويات العنف والهمجية التي بلغتها لم تعرفها فرنسا ولا أوروبا منذ سنوات طويلة، بحيث ثار الفرنسيين ثورة رجل واحد وهم مرتدين "السترات الصفراء" ضد غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية وزيادة الضرائب وسياسة الإفقار ... ومعبرين عن سخط شعبي ضد تداعيات الرأسمالية المتوحشة سرعان ما امتد إلى دول أوروبية مثل بلجيكا، ما ينذر بحدوث حراك أو بالأحرى ربيع أوروبي وعالمي ضد النظام الاقتصادي الدولي غير العادل... نظام رأسمالي متوحش يزيد الغني ثراء والفقير فقرا على فقر، نظام لا يخلق الثروة بالعمل ولكن بالتكديس الفردي لهذه الثروة، نظام يكرس تحكم الشركات متعددة الجنسيات في مصير دول ومجتمعات بكاملها، نظام أصبح فيه العامل المنتج هو أفقر شخص في المجتمع، نظام يرفع الضرائب إلى أعلى معدلاتها في حين يبقي الأجور على حالها، نظام يزيد من نسب التضخم العالمية من جهة ويلوح بشعار التقشف من جهة أخرى... من أجل كل هذا، خرج المواطنين في دول مثل فرنسا التي أصبح فيها راتب 2000 أورو شهريا لا يضمن لصاحبه أدنى متطلبات العيش اللائق في بلد الحرية والمساواة.

هي إذن الرأسمالية في أبشع وأعنف صورها وكأننا في القرن التاسع عشر، رأسمالية أدت إلى تفجير نظام الطبقية الاجتماعية وخدمة مصالح الأثرياء والشركات الخاصة وجعلت العمال مجرد عبيد عندهم يلهثون يوميا وراء حفنة من الأوروات... مع عدم مبالاة حكامهم مثل الرئيس الفرنسي ماكرون الذي صرح بأنه لن يخضع للعنف والتهديدات وأنه ماض في تطبيق سياسته، كيف لا وهو موظف سابق خريج بنوك روتشيلد العالمية التي تعد جزءا من هذه الهمجية الرأسمالية، أو الرئيس الأمريكي ترامب الذي يدير أمريكا وكأنها شركة اقتصادية متعددة الجنسيات، معتمدا في ذلك على أموال السعودية ومداخيل الضرائب وصفقات السلاح الضخمة دون الالتفات إلى الاقتصاد المنتج وضمان عيش رغد لكل الأمريكيين بدون استثناء.



إن الرأسمالية وبالرغم من سلبياتها وتداعياتها المدمرة على النظام الاقتصادي العالمي، إلا أنها تبقى النظام الاقتصادي المعتمد لدى الأغلبية الساحقة لدول العالم تحت العين الساهرة للولايات المتحدة الأمريكية الراعي السامي لنظام آدم سميث في شكله المتطرف.

إن هذه الرأسمالية هي التي أنتجت لنا البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي الذي تستخدمه القوى الاقتصادية العالمية في الضغط على الدول المتخلفة والنامية لإغراقها في مستنقع القروض والديون ولنا في الأزمة الاقتصادية اليونانية أصدق مثال، وهي نفس الرأسمالية الجديدة التي تدفع بعض الدول النامية إلى مسح ديون دول أخرى أكثر تخلفا للتخفيف عنها حدة الأزمات الخانقة وجعلت من دول بأكملها ليست إلا مجرد ورشات ومصانع ضخمة تقضي فيها اليد العاملة كل يومها مقابل أجور رخيصة.

... هي إذن أزمات مالية لا تنتهي في ظل نظام اقتصادي مالي جائر غير أخلاقي ولا يعترف بالضعيف ولا يخدم مصالحه، بل يزيده فقرا وتبعية خاصة إذا كانت الدولة ريعية أو غير منتجة.

عرب نيوز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

من هو جوليان أسانج؟... تعرف على مسرب الوثائق السرية الذي تريده أمريكا بأي ثمن

يعد جوليان أسانج في نظر أنصاره أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول للحقيقة. لكنه في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة عرّض حياة كثي...

بحث هذه المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Animation - Scroll IMG (yes/no)

Fixed Menu (yes/no)

Related Posts No. (ex: 9)

PageNavi Results No. (ex: 7)

الصفحة الأولى

Facebook

Advertising

ad

جميع الحقوق محفوظه © Arabs news عرب نيوز

تصميم الورشه