تاريخ من التجسس المتبادل بين إسرائيل وأمريكا

0





إبان خمسينات القرن الماضي، وبينما كانت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها، كان اليهود يؤسسون دولةً لهم على ساحل البحر المتوسط، كانت الحرب الباردة في أوجها، وذلك أيضًا كان أوج الصعود الأمريكي لزعامة العالم.

لعبت إسرائيل على وتر الحرب الباردة كأفضل ما يمكن، وقدمت للاستخبارات الأمريكية فروض الولاء والتبعية، فأتاحت لهم معلومات تفصيلية عن الترسانة العسكرية للغريم السوفيتي، مما وقع في أيديهم من حروبهم مع جيرانهم العرب، وكان هذا واضحًا عندما انشق طيار سوري عام 1989 في واحدة من النماذج المتقدمة من «ميج 23» الروسية، وسُمح للأمريكيين بتفقد الطائرة وفحصها برعاية إسرائيلية.

اتّكلت الاستخبارات الأمريكية أكثر على نظيرتها الإسرائيلية بُعيد الثورة الإيرانية، 1979، إذ فقدت الولايات المتحدة شُرطيها على المنطقة جراء هروب الشاه محمد رضا بهلوي، وجاءت تفجيرات بيروت 1983 لتعصف بالوجود الأمريكي المباشر في المنطقة، إذ قتل 241 جندي أمريكي من قوات حفظ السلام خلال هذه التفجيرات، في هذه الأثناء زودت الولايات المتحدة إسرائيل بصور الأقمار الاصطناعية، وبدأت تمدها بالتقارير الاستخبارية المهمة.

العلاقة بين دولتين طموحتين، إحداهما في قمرة القيادة والأخرى ناشئة تسعى لتوسيع نفوذها وضمان بقائها بين جيران لا يكنون لها مشاعر طيبة، لا يمكن أن تسير على هذا النحو من الهدوء والتسامح، فالولايات المتحدة سعت لاختراق النظام الأمني الإسرائيلي للوقوف على حقيقة قدراتها العسكرية والنووية، وكذلك إسرائيل سعت لتطوير منظومتها التسليحية والاستخباراتية وكسب الشرعية الدولية، شنّت غاراتها على النظام السياسي والعسكري الأمريكي، لذا ورغم العلاقات التاريخية الدافئة بين البلدين، نمت بعض الضغائن، وسُجلت عمليات تجسس بين البلدين نأتي على ذكرها بشيء من التفصيل.

يسرقون التكنولوجيا
البنتاجون ووزارة الخارجية هما القناتان اللتان إليهما تتدفق آلاف الرسائل السرية يوميًا، لو أنني أريد إبلاغ وزير الخارجية بأمر ولا أريد للإسرائيليين أن يعرفوه، يتوجب عليّ الانتظار حين لقائه وجهًا لوجه  *مسؤول بالخارجية الأمريكية
قدمت «وكالة الاستخبارات الوطنية (NSA)» تقريرها للحكومة الأمريكية عام 2013 عن التهديدات السيبرانية التي تتلقاها الولايات المتحدة، وقالت أن إسرائيل تأتي في المرتبة الثالثة، من حيث التهديد لأمن الولايات المتحدة الإلكتروني، فقط بعد روسيا والصين، تأتي إسرائيل، أوثق حلفاء أمريكا.

صب إسرائيل اهتمامها بالقاعدة الصناعية الأمريكية، ومن المحتمل أنها حصلت على اليورانيوم اللازم لبرنامجها النووي من مفاعل بنسلفانيا، كذلك ألقي القبض على عملاء إسرائيليين وهم يسرقون تكنولوجيا لصناعة أنابيب الأسلحة المدفعية، ويقال إن هناك آخرين متهمون بسرقة نماذج لطائرات استطلاع من متعهدين أمريكيين، وغيرهم متورطون بسرقة مواد عالية التقنية تُستخدم في مجالات تطوير الصواريخ.

تتعلق إحدى الحالات الشهيرة بشركة «Recon Optical»، ومقرها ولاية إلينوي الأمريكية، وهيتنتج معدات مراقبة جوية حديثة جدًا للبنتاغون ومجتمع الاستخبارات الأمريكي. في عام 1986، قام حراس الأمن في «ريكون» بالقبض على ثلاثة من ضباط سلاح الجو الإسرائيلي، سرقوا 50 ألف صفحة من الوثائق الفنية المتعلقة بالمعلومات الخاصة بالشركة.

لمدة عام تقريبًا، كان هؤلاء الضباط يستغلون حقوق الزيارة المنصوص عليها تعاقديًا ويمررون وثائق «ريكون» إلى شركة إسرائيلية منافسة هي «El El Electro-Optics Industries». وفي النهاية أمرت هيئة التحكيم إسرائيل بدفع مبلغ 3 ملايين دولار لـ«ريكون» مقابل ما وجدته من أعمال غير قانونية «غادرة».

عانت «ريكون» من أضرار فادحة وبالكاد نجت من الإفلاس، غير أن تكنولوجيا البصريات المسروقة من «ريكون» قدمت على ما يبدو عناصر حاسمة من «أفق-3»، أول قمر استطلاع دائم في إسرائيل.

بحسب الاستخبارات الأمريكية، فإن المساعي الإسرائيلية للتجسس على الولايات المتحدة كانت مدفوعة بثلاثة أغراض؛ أولها بناء قاعدة صناعية إسرائيلية، لتوطين الصناعة في الدولة الناشئة، وثانيها، بيع أو تبادل هذه المعلومات مع دول أخرى ذات طموح صناعي وعسكري كالصين وأخيرًا، لأن هذه المعلومات السرية من شأنها أن تساعد إسرائيل على بناء علاقات قوية أخرى مع دول أخرى.





الجاسوسية السهلة
بدأ بولارد عمله في البحرية الأمريكية كمحلل استخبارات مدني، وهناك تعرف على أفيم سيلا، من كبار ضباط الجوية الإسرائيلية، وكان لتوه قد تقاعد للحصول على درجة الماجستير في علوم الكمبيوتر، أخبره بولارد بطبيعة عمله وعن معلومات تحجزها الولايات المتحدة عن إسرائيل، ومن ثم إمكانية عمله جاسوسًا لإسرائيل.
توجس سيلا من أن يكون ذلك فخًا من أحد عملاء «مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)»لاستئصال شبكة التجسس الإسرائيلية في واشنطن، لم يتوقع أنه بهذه السهولة يمكنه تجنيد عميل مهم لبلاده، اتصل سيلا بقيادته في البحرية الإسرائيلية، وتلقى تعليمات بضرورة التواصل مع بولارد، لكن مع كثير من الحذر.

خلال أيام، وفي يونيو (حزيران) من عام 1984 بدأ بولارد تمرير معلومات سرية لسيلا، وفي المقابل تحصل على مبالغ مالية وصلت لعشرة آلاف دولار، ومجوهرات ثمينة وياقوتة زرقاء، عرضها على صديقته فيما بعد لمّا تقدم للزواج منها. قال بولارد أمام المحكمة أن المال كان دافعه الأساسي لخيانة بلاده، لكن قضية بولارد كشفت أن إسرائيل بالفعل لديها لجنة استخبارات علمية، جندت فيها عددًا من الجواسيس، كان بولارد أحدهم.

لم يكن العميل بولارد أول من تعاون مع تل أبيب من داخل الأراضي الأمريكية، تاريخ طويل من الجاسوسية سلكه آخرون قبله، حتى قبل أن تظهر إسرائيل للعلن عام 1948؛ جون دافيت، رئيس الأمن الداخلي لدى وزارة العدل الأمريكية بين عام 1950 و 1980، صرح بأنه خلال فترة عمله رُصدت الأنشطة الاستخباراتية الإسرائيلية أكثر من أي دولة أخرى عدا الاتحاد السوفيتي ألدّ أعداء الولايات المتحدة في ذلك الوقت.

وقد شهد مطلع الألفية الحالية سقوط العشرات من العملاء الإسرائيليين في شباك الأجهزة الأمنية الأمريكية، ليكونوا شاهدين على أكثر أعمال التجسس عدائية تجاه حلفاء، وهو الشيء نفسه الذي أكده تقرير الحكومة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر(أيلول) 2011، حتى أن اثنين من أعضاء «آيباك» (أقوى اللوبيات الداعمة لإسرائيل) اتُهموا بالضلوع في عملية تهريب وثائق حكومية أمريكية غير متداولة لصالح الحكومة الإسرائيلية، دارت فحوى هذه الوثائق حول التعاطي الأمريكي مع القضية الإيرانية.

وخلاصة الأمر، فيما يخص التجسس الإسرائيلي على الولايات المتحدة الأمريكية أنه اتخذ منهجين، يتعلق الأول بالمسؤولين الإسرائيليين رفيعي المستوى، وهو ما أقرته مذكرة قدمتها وزارة العدل الأمريكية في تسعينيات القرن الماضي حول تحويلات مالية مشبوهة قام بها عسكريون إسرائيليون رفيعو المستوى، يُعتقد أنه بغرض تغطية التكاليف الباهظة لعمليات التجسس، والمنجية الثانية اعتمدت على بعض القنوات الرسمية، من خلال البعثات التجارية الإسرائيلية، التي تنحرف عن مسار أعمالها الطبيعي والمتعارف عليه، كذلك الذي حدث مع شركة «ريكون».

كانت البلدان قد اتفقتا عام 1951 على عدم التجسس على بعضهما البعض، ضمن إطار تعزيز العلاقات، لكن أي منهما لم يلتزم بما ورد في هذه الاتفاقية، ومع ذلك فإن العلاقات بينهما لم تتأثر كثيرًا، وربما مرد ذلك الاختراق الإسرائيلي للبيروقراطية الأمريكية من خلال جماعات الضغط، وكذلك كون إسرائيل هي الشرطي الأكثر وفاءً لأمريكا في الشرق الأوسط، والأجدر على اختراق الأنظمة العربية والإسلامية، حتى تحولت علاقات هذه الدول بإسرائيل بوابةً لنيل الرضا الأمريكي، وتأسيس علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

الولايات المتحدة ترد الاعتبار لأمنها القومي
عام 1996 صفعت الولايات المتحدة الأمريكية النظام الإسرائيلي على وجهه بقوة، فقد فُضحت خيوط عملية التنصت الأمريكي على نظام الاتصالات الإسرائيلي التابع لسفارتها في واشنطن، وتبيّن أن المكالمات الهاتفية التي تدار من داخل السفارة جميعها تمر أولًا على «وكالة الأمن الأمريكية (NSA)»، بعد أن قامت الأخيرة بالتوصل عبر عملاء لها إلى الكود الإسرائيلي المستخدم من قبل السفارة.

لم تكن عملية التجسس على سفارة إسرائيل الكائنة في العاصمة الأمريكية واشنطن هي عملية التجسس الوحيدة التي نعرفها، أواخر عام 2004، دخلت غواصة أمريكية للمياه الإقليمية الإسرائيلية، 18 كيلو مترًا قبالة ساحل حيفا، لم تكن الغواصة بحسب التقارير الإسرائيلية في مهمة معروفة أو جرى التنسيق بشأنها سلفًا، ولم تعرف الإدارة العسكرية الإسرائيلية عن سبب وجودها شيئًا، لكن تقارير استخباراتية تحدثت فيما بعد عن عملية تجسس اضطلعت بها الغواصة لاعتراض إشارات عسكرية إسرائيلية والتعرف على مدى جهوزية الأسطول الإسرائيلي وقوة الردع لديه.

متنعت القيادة العسكرية في تل أبيب عن الهجوم على الغواصة لكونها تابعة لدولة صديقة، حتى هربت وتبعتها حملة تمشيطية واسعة النطاق. ثم كانت «الفضيحة» الأكبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تلك التي كشفها إدوارد سنودن، التقني الأمريكي والعميل السابق لـ«وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA)»، قال سنودن إن الولايات المتحدة وبريطانيا قامتا عام 2009 بالتجسس على البريد الإلكتروني لرئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، وراقبتا رسائل إلكترونية جرى تداولها بين وزير الدفاع الإسرائيلي حينئذ إيهود باراك ورئيس أركانه، يوني كورين.

حاولت الولايات المتحدة من خلال التنصت على «كلبها الوفي» إسرائيل، التأكد من تبعيته لقيادتها للعالم، وأنه بعد لم يخرج عن هذا المسار المحدد لعلاقة البلدين، وتعتقد الولايات المتحدة بأن إسرائيل يمكنها أن تخفي بعض المعلومات السرية التي لديها عن الاستخبارات الأمريكية إذا ما رأت حاجة لذلك، ما يعني أن التوافق في الرؤى والحاجة المزدوجة لدى كل منهما للآخر لا تعني أبدًا توحد المسار والمصير.




كيف يمكن حل الأزمة السياسية في فنزويلا؟

0

في وقت تشهد فيه فنزويلا أزمة سياسية متصاعدة، يضع الرئيس الأمريكي عصا التدخل العسكري على الطاولة موجهًا الوعيد الأمريكي الأقسى للرئيس الفنزويلي منذ تأججت الأزمة في البلد الأغنى بالنفط، ومظاهرات التأييد والمعارضة يبدو أن حل الأزمة في فنزويلا بات رهينة التوجهات العسكرية وتطور المواقف الخارجية، وذاك مشهد يضع البلاد أمام مفترق طرق وأمام سيناريوهات عدة.   

انتخابات تشريعية مبكرة أم تدخل عسكري أمريكي؟
في مقابلة أُذيعت يوم الأحد ضمن برنامج " "Face the Nation الذي تبثه شبكة "CBS" الأمريكية، قال ترامب: "إرسال قوات إلى فنزويلا مسار بحث داخل الإدارة الأمريكية، وهو أحد الخيارات المطروحة"، مضيفًا أنه رفض طلب الرئيس نيكولاس مادورو لعقد اجتماع قبل نحو عدة أشهر، مشيرًا إلى أن ذلك "لم يعد ذلك متاحًا لأن عملية التغيير قد بدأت".  
ومع تصاعد الضغوط الداخلية والدولية على مادورو للتنحي عن منصبه، أصبح التدخل العسكري الأمريكي قناعة يتداولها دبلوماسيون كبار من معسكر الرئيس مادورو، فإن كانت واشنطن معنية بإزاحة النظام الحاكم في كراكاس، يرى هؤلاء أنهم معنيون بمقاومة طويلة الأمد لأي تدخل أمريكي.
أبقى مادورو  على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة يراها حلاً للأزمة السياسية التي اندلعت منذ 23 من يناير/كانون الثاني المنصرم، والتخلص من البرلمان المنتخب عام 2015 الذي تهيمن عليه المعارضة
وبعد اعترافها برئيس البرلمان غوايدو "رئيسًا شرعيًا" للبلاد، عززت الولايات المتحدة من الضغوط على الرئيس مادورو حتى يترك الحكم، وأعلنت أنها تبحث عن أصول معينة لحكومة مادورو في حوزة بنك نيويورك الاحتياطي الاتحادي أو أي بنوك أخرى تضمنها واشنطن، يمكن تسليمها إلى المعارضة لتخفيف الأزمة الإنسانية في البلاد.  
هذا فضلاً عن اجتماع مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون مع فرع تابع لشركة النفط الحكومية الفنزويلية"PDVSA" في الولايات المتحدة بهدف تحويل عائدات النفط إلى المعارضة بدلاً من حكومة مادورو، لكن رئيس الشركة ووزير النفط مانويل كيفيدو، وهو ضابط عسكري مهني، قال في بيان، يوم 23 من يناير: "ليس لدينا رئيس آخر" إلى جانب مادورو.  
وقُبيل تهديد ترامب بساعات ظهر مادورو علنًا للمرة الأولى منذ 6 أشهر، بدا مادورو متحديًا حين لم يأت على ذكر انتخابات رئاسية جديدة كما يطالبه الغرب، وإنما أبقى على إجراء انتخابات تشريعية مبكرة يراها مادورو حلاً للأزمة السياسية التي اندلعت منذ 23 من يناير/كانون الثاني المنصرم، والتخلص من البرلمان المنتخب عام 2015 الذي تهيمن عليه المعارضة.
جاء ذلك خلال خطاب لمادورو أمام مناصريه في العاصمة كاركاس، حيث قال إن قرار إجراء انتخابات برلمانية مبكرة "متروك للجمعية الدستورية" الموالية للحكومة، وتتمتع الجمعية التي تأسست عام 2017 بصلاحيات واسعة ومفتوحة، تبدأ من تغيير الدستور وتنتهي بحل الأزمة السياسية والاقتصادية في البلاد، كما تتمتع بصلاحية حل البرلمان، وكان من المقرر إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة عام 2020.
وأمام مقر الاتحاد الأوروبي في كراكاس، يعلن غوايدو أن خلع مادورو من السلطة مسألة وقت، ولم يكن اختياره لهذا المكان من قبيل الصدفة، فزعيم المعارضة الآن قاب قوسين أو أدنى من نيل اعتراف أوروبي به بديلاً لمادورو مع انتهاء المهلة التي أعطتها كبرى الدول الأوروبية للرئيس نيكولاس مادورو للدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة وإلا ستحذو حذو واشنطن وتعترف بغوايدو رئيسًا.  









مفتاح الحسم.. هل يملك الجيش الحل؟
لعبة عض الأصابع تلك التي تجري داخل فنزويلا بين الرئيس مادورو وزعيم المعارضة خوان غوايدو، وخلف كل من الرجلين قوى كبرى تمنحه أسباب البقاء على موقفه، داخليًا حيث الجيش الفنزويلي والمحكمة العليا وخارجيًا حيث أمريكا وروسيا والصين وتركيا وإيران.
إن أبقى الجيش إلى الآن على ولائه لمادورو، فإن ذلك لا ينفي ظهور بوادر اضطرابات داخل صفوفه
الرئيس الفنززويلي وإلى جانب اعتماده على دعم من القوى العسكرية مثل روسيا والصين، فإنه يراهن على ولاء المؤسسة العسكرية من أجل البقاء في السلطة، وإن أبقى الجيش إلى الآن على ولائه لمادورو، فإن ذلك لا ينفي ظهور بوادر اضطرابات داخل صفوفه.    
أعلى الرتب العسكرية أعلنت ولاءها لمادورو على الرغم من أنه يفتقر إلى المعايير العسكرية لتشافيز، فالعلاقة التي أقامها معلمه الراحل مع القوات المسلحة ساعدت في إرساء الأسس الداعمة لحكمه، وقد جلبت هذه العلاقة الاستقرار إلى ولايته، فقد كان هوغو تشافيز جزءًا من الجيش، وأقام خلال حكومته روابط مهمة معهم، وكثير منهم تمت مكافأتهم برفع الأجور وكان آخرون يسيطرون على المناصب والصناعات الرئيسية".
لكن يبدو أن الوضع قد تغير يوم السبت الماضي، حيث أعلن الجنرال فرانشيسكو يانيز الذي قدم نفسه على أنه مدير التخطيط الإستراتيجي في سلاح الجو الفنزويلي - في فيديو بثه على مواقع التواصل - تأييده لزعيم المعارضة خوان غوايدو، وعلى حساب تويتر، اتهمت القيادة العليا للجيش الجنرال بالخيانة، بينما يراهن مادورو على دعم الجيش له، حيث لم ينشق قبل ذلك سوى عقيد ملحق في الولايات المتحدة.
وأصبح يانيز ثاني جنرال فنزويلي كبير يعترف بغوايدو، ففي وقت لاحق من نفس اليوم، أعلن ضابط عسكري آخر يعمل في الخدمة، هو الكولونيل أندريس إيلوي فولكان، دعمه للقوات المسلحة وحث رجال الجيش الآخرين على اتباعه و"استعادة الديمقراطية"، لكن مادورو رفض الدعوة وقال: "القوات المسلحة البوليفارية أكثر ولاءًا من أي وقت مضى تحت قيادتي"، ويصر على أنه الرئيس الشرعي لفنزويلا وأنه سيواصل الحكم.
وفي الـ27 من الشهر الماضي، أعلن السفير الفنزويلي في العراق جوناثان فيلاسكو راميريز انشقاقه عن حكم الرئيس مادورو واعترافه بغوايدو رئيسًا مؤقتًا للبلاد، ويأتي ذلك بعد أيام قليلة من إعلان الملحق العسكري في السفارة الفنزويلية في واشنطن خوسيه لويس سيلفا، عن "قطع علاقته" مع الرئيس مادورو، ودعا القوات المسلحة إلى الاعتراف برئيس البرلمان المعارض خوان غوايدو رئيسًا شرعيًا، لكن السؤال الآن هو ماذا لو كان يانيز يسيطر على عدد من القوات، ويأمر أفراد القوات المسلحة باتباعه؟
وفيما تتواصل أيام الاحتجاجات التي أبانت عن حجم الانقسام الذي تعيشه فنزويلا بين المعارضة والتأييد، لم تخلمظاهرات الطرفين من رسائل موجهة إلى الجيش وقادته، ففي يوم الخميس الماضي، عبَّر غوايدو عن الدور الكبير الذي يؤديه الجيش في الظرف الحاليّ، معتبرًا دعمه (الجيش) حاسمًا في الإطاحة بالرئيس مادورو، وفي مقال له نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أفصح غوايدو عن لقاءات سرية مع أفراد من القوات المسلحة وقوات الأمن، فبحسب قوله "سيحتاج الانتقال دعم الوحدات العسكرية الرئيسة".
"مفتاح الحسم"، هكذا بات يطلق على المؤسسة العسكرية، مؤسسة تدرك كل من السلطات والمعارضة على أنها تمثل الرهان الأكبر، لعل ذلك ما حدا بمستشار الأمن القومي جون بولتون إلى دعوة جميع أعضاء الجيش الفنزويلي العسكريين إلى اتباع قيادة الجنرال "المنشق" يانيز، الذي ادَّعى أن 90% من الجيش لم تعد تدعم الرئيس.
ترتبط المؤسسة العسكرية البوليفارية في فنزويلا بالدفاع عن المشروع السياسي الاشتراكي للحكومة الذي عمل الرئيس السابق هوغو تشافيز وخلفه نيكولاس مادورو على ترسيخ مبادئه، مبادئ يرى مراقبون أنها تحولت في حقبة مادورو إلى مؤسسة قمعية وفاسدة بتواطؤ مع قوى سياسية واقتصادية، لكن إملاءات الخارج ستجعل المعارضة - وفق البعض - تخسر رهاناتها الرامية لكسب تأييد الجيش.
وعلى الرغم من دور الجيش المحوري في حسم الصراع السياسي في فنزويلا، فإن خبراء يرون أن نتائج الاستقطاب الخارجي واستعداد هذا الطرف أو ذاك لتقديم تنازلات عوامل ستطيل أو تختصر من عمر الأزمة.

الخناق يضيق حول مادورو.. هل تُنهي "دول الاتصال الدولية" الأزمة؟
في ذكرى مرور 20 عامًا على الثورة البوليفارية، أي تاريخ تنصيب الراحل هوغو تشافيز أول مرة في الحكم، بدت فنزويلا منقسمة بين رئيسين ومظاهرتين، وتحولت الذكرى هذه المرة لفرصة لحشد كل معسكر أنصاره، مادورو ضد غويدو، واستجاب أنصار رئيس البرلمان الذي نصَّب نفسه رئيسًا بالوكالة لدعوته لخروج الفنزويليين في الداخل والخارج.   
يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي ليست على قلب رجل واحد فيما يخص الأزمة السياسية التي تعصف بفنزويلا منذ أسابيع
من كاراكاس إلى برشلونة في إسبانيا كان لغوايدو ما يريد، لكن ليس الشارع وحده السلاح المستخدم للإطاحة بالرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، فالشاب الثلاثيني المعارض يحظى بدعم أمريكي منذ الدقائق الأولى لإعلان نفسه رئيسًا بالوكالة يوم الـ23 من يناير الماضي.  
اعترف به أيضًا أخيرًا البرلمان الأوروبي، وربما مسألة ساعات فقط وتباركه رسميًا دول من الاتحاد الأوروبي، لكن يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي ليست على قلب رجل واحد فيما يخص الأزمة السياسية التي تعصف بفنزويلا منذ أسابيع، رغم أن تصريحات المسؤولين الأوروبيين قبل أيام كانت توحي بأن دول الاتحاد تتجه نحو الاعتراف بخوان غوايدو زعيم المعارضة ورئيس البرلمان رئيسًا مؤقتًا للبلاد.  
كان الموقف الأوروبي المتشدد تجاه الرئيس نيكولاس مادورو قد سبقه إعلان البرلمان الأوروبي الاعتراف بغوايدو ممثلاً شرعيًا للشعب الفنزويلي ورئيسًا مؤقتًا بالوكالة، داعيًا كل الدول الأعضاء فيه إلى أن تحذو حذوه، لكن إسبانيا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا والبرتغال وهولندا أمهلت مادورو حتى أمس الأحد للدعوة إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وإلا ستعترف بغوايدو رئيسًا.
مهلة اعتبرها الرئيس المغضوب عليه تهديدًا مرفوضًا، وأكد رفضه إنذار عدد من دول الاتحاد الأوروبي له بضرورة تنظيم انتخابات في أعقاب خطوة غايدو لإعلان نفسه رئيسًا مؤقتًا، وقال في مقابلة مع محطة التلفزة الإسبانية "سيكستا" إنه لن يرضخ لضغوط الدول المطالبة برحيله عن السلطة، وقال مادورو: "إنهم يحاولون وضعنا في إطار المواعيد النهائية لإجبارنا على الوصول إلى وضع حد للصراع".
لا شك أن الأسباب التي دفعت بالمسؤولين الغربيين للمطالبة بتنحي مادورو ليست هي نفسها تلك التي تجعل واشنطن تعد الساعات من أجل التغيير السياسي في أحد آخر معاقل اليسار في أمريكا اللاتينية
وفي الوقت الذي أوشكت فيه المهلة التي منحتها 6 دول أوروبية لمادورو على الانتهاء، غيّر الاتحاد الأوروبي أمس الأحد من لهجته التصعيدية ضد مادورو، واستخدمت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني لغة هادئة بعيدة عن خطاب الوعيد والتهديد، حيث أعلنت أن وزراء خارجية الاتحاد سيعقدون اجتماعًا في فبراير الحاليّ في الإكوادور لإيجاد حل سلمي للأزمة الفنزويلية.  
وكان وزراء الاتحاد قد اجتمعوا الأسبوع الماضي بالعاصمة الرومانية بوخارست، معلنين أن دول الاتحاد تدعم "الجمعية الوطنية الفنزويلية وزعيمها غوايدو بشكل كامل باعتبارها المؤسسة الوحيدة المنتخبة ديمقراطيًا"، كما أعلنوا تشكيل "مجموعة اتصال دولية" بشأن الأزمة، بهدف إيجاد حل في غضون 90 يومًا، كما كانت القمة الأوروبية قد لوّحت بفرض عقوبات اقتصادية على كراكاس في حال عدم قبول مادورو بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
بيد أن التهديد الأكبر والفعلي يأتي من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فقد صرَّح نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس، قائلاً: "وقت الحوار في فنزويلا قد انتهى وكل الخيارات مطروحة"، فالوقت - على حد تعبيره - قد حان لإنهاء ما وصفها بـ"ديكتاتورية" مادورو بشكل حاسم وللأبد، ولا شك أن الأسباب التي دفعت بالمسؤولين الغربيين للمطالبة بتنحي مادورو ليست هي نفسها تلك التي تجعل واشنطن تعد الساعات من أجل التغيير السياسي في أحد آخر معاقل اليسار في أمريكا اللاتينية.
فنزويلا التي كانت من أغنى دول المنطقة أضحت أفقر بلد ورغم ذلك بقي للثورة البوليفارية ورموزها الأحياء منهم والأموات من يؤمن بها ويدافع عنها، هؤلاء بعضهم أيضًا استجابوا لدعوة الرئيس مادورو للتظاهر والتنديد بما يعتبرها "محاولة انقلاب ضده بقيادة دمية في يد أمريكا"، فنزويلا المأزومة بين مادورو وغوايدو، أي مصير ينتظرها؟

من هو جوليان أسانج؟... تعرف على مسرب الوثائق السرية الذي تريده أمريكا بأي ثمن

يعد جوليان أسانج في نظر أنصاره أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول للحقيقة. لكنه في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة عرّض حياة كثي...

بحث هذه المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Animation - Scroll IMG (yes/no)

Fixed Menu (yes/no)

Related Posts No. (ex: 9)

PageNavi Results No. (ex: 7)

الصفحة الأولى

Facebook

Advertising

ad

جميع الحقوق محفوظه © Arabs news عرب نيوز

تصميم الورشه