حسب بعض الاكتشافات الأثرية... هل كان «الفايكنج» مسلمين فعلًا؟

0



كشفت ملابس الدفن القديمة (ملابس الكفن) التي يعتقد العلماء أنها كانت منسوجة بأنماط خاصة بقبائل الفايكنج، عن مفاجأة غير متوقعة على الإطلاق. فقد فوجئ الباحثون بوجود كلمتين منسوختين بالخط الكوفي الشهير بخيوط الفضة على أنسجة الحرير، وهما كلمتا «الله»، و«علي»، نسبة إلى الصحابي علي بن أبي طالب. وتعد هذه هي المرة الأولى التي يجري فيها العثور على قطع أثرية تاريخية مذكور عليها كلمة «علي» في الدول الإسكندنافية، مما يعده اكتشافًا أثريًا هامًا.

من هم الفايكنج؟

الفايكنغ هو مصطلح يقصد به الشعوب الجرمانية النوردية، وتحديدًا ملاحي السفن والمقاتلين والتجار في المناطق الاسكندنافية -حاليًا: الدانمارك والنرويج والسويد-، والذين هاجموا سواحل فرنسا وبريطانيا وأجزاء أخرى من أوروبا في الفترة من أواخر القرن الثامن حتى القرن الحادي عشر، وهي الحقبة التاريخية التي تعرف باسم عصر الفايكنج -تحديدًا بين عامي 793 – 1066 ميلادية-.


كما يجري تمديد مصطلح الفايكنج عادة في اللغة الإنجليزية الحديثة وغيرها من العاميات لسكان مجتمعات الفايكنج خلال ما أصبح يعرف باسم عصر الفايكنج. هذه الفترة من الحركة الشمالية العسكرية، والتوسع التجاري والديمغرافي تشكل عنصرًا هامًا في تاريخ العصور الوسطى في وقت مبكر من الدول الاسكندنافية وأستونيا والجزر البريطانية وفرنسا وأوكرانيا وروسيا وصقلية. وتميزت أنشطة الفايكنج بوسائل الإبحار المتقدمة، والمهارات الملاحية، والسفن الطويلة، مما جعلها في بعض الأحيان تمتد أيضًا إلى سواحل البحر المتوسط ​​ وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وبعد المراحل الممتدة من الاستكشاف والتوسع والتسوية والاستيطان (في المقام الأول في البحر أو النهر)، جرى تأسيس مجتمعات الفايكنج في مناطق متنوعة من شمال غرب أوروبا وروسيا الأوروبية وجزر شمال الأطلسي وصولًا حتى الساحل الشمالي الشرقي لأمريكا الشمالية. وقد شهدت هذه الفترة من التوسع انتشار الثقافة النوردية على نطاق أوسع، مع الأخذ في الوقت نفسه تأثيرات ثقافية أجنبية قوية في الدول الإسكندنافية نفسها، مع آثار تنموية عميقة في كلا الاتجاهين.

كيف جاء هذا الاكتشاف؟

في حين يبدو للوهلة الأولى أن هذا الاكتشاف مثيرًا للدهشة، فإنه لا يبدو أنه كان أمرًا شائعًا جدًا كما يتخيل البعض، فقد تم العثور على هاتين الكلمتين على ما لا يقل عن عشر قطع من الملابس الحريرية من أصل 100 قطعة حريرية من القبور التي يعود تاريخها إلى القرنين التاسع والعاشر الميلادي واكتشفت حول منطقة جملا أوبسالا في السويد، وكذلك غرف المقابر التي تعود لعصور الفايكنج في مواقع بيركا بوادي مالارين بالسويد أيضًا. وظهر هذا الاكتشاف عندما كان فريق من الباحثين يحاول إعادة تصميم الأنماط الموجودة على ملابس الدفن المخزمة لديهم من أجل عرضها في معرض «فايكنغ كوتور» القادم في متحف إنكوبينغ في السويد.

وتقول أنيكا لارسون، عالمة الآثار النسيجية في جامعة أوبسالا السويدية، «هذا اكتشاف مهم للغاية؛ لأنه يخبرنا بأننا لا نستطيع رؤية هذه الفترة التاريخية على أنها فترة نوردية خالصة». ويقصد بالنوردية هنا العرق النوردي أو العرق الشمالي، وهو واحد من التصنيفات الفرعية للعرق القوقازي. ويتواجد هذا العرق بشكل واضح في بلدان الشمال الأوروبي.

الفايكنج كانوا على صلة بالمسلمين فعلًا!

وتوضح لنا لارسون أن الفايكنج كانوا على اتصال وثيق مع الثقافات الأخرى بما فيها العالم الإسلامي. وهناك أدلة على وجود صلة بين الفايكنج والعالم الإسلامي منذ سنوات عديدة. ففي عام 2009، وجد الباحثون أن سيوف قبائل «الفايكنج آرا» استخدمت فيها تقنيات الفلزات العربية، وربما جرى نقل هذه التقنيات عبر طريق «فولغا» التجاري.
في العصور الوسطى، وصل طريق «فولغا» التجاري شمال أوروبا وشمال غرب روسيا مع بحر قزوين، عبر نهر الفولغا. استخدم الروس هذا الطريق للتداول مع الدول الإسلامية على الشواطئ الجنوبية لبحر قزوين، التي اخترقت أحيانًا إلى بغداد. كان الطريق يعمل بالتزامن مع طريق «دنيبر» التجاري، المعروف باسم الطريق التجاري من فارانجيانز إلى اليونانيين، وفقد هذه الطريق أهميته في القرن الحادي عشر.
وفي عام 2008، جرى الكشف عن كنز من النقود العربية التي تعود لعصر الفايكنج في السويد، وقبل عامين فقط، تم العثور على خاتم وجد في قبر امرأة في القرن التاسع في منطقة بيركا السويدية، مدرج عليها كلمة «الله». أضف إلى هذا أن الباحثين عثروا أيضًا على الحرير الفارسي في سفن فايكنج مدفونة بالنرويج.
في البداية، قالت لارسون إنها لم تتمكن من إيجاد معنى لهذه التصاميم، ولكن بعد ذلك تذكرت أنها رأت شيئًا مماثلًا ونقشًا مشابهًا لهذه الرسوم التي ظهرت باسمي «الله» و«علي». تذكرت أنها شاهدت مثلهم على المنسوجات المغربية من إسبانيا. وتحليل المواد وتقنيات النسيج والتصاميم أشارت الأبحاث أنه ربما  تكون هذه المنسوجات والملابس ذات أصل عائد إلى آسيا الوسطى وبلاد فارس.



كلمة «علي» كان من السهل نسبيًا فك شفرتها، ولكن كلمة «الله» كانت أكثر صعوبة على الباحثين، وذلك لأن الرسم والنقش كان معكوسًا كما تظهره الصور. السبب في ذلك غير معروف، ولكن التفسير الأكثر ترجيحًا هو أن النمط والنقش تم ببساطة نسخه بشكل غير صحيح، كما قال أمير دي مارتينو من الكلية الإسلامية في لندن لموقع بى بى سى.

هل كان الفايكنج مسلمين؟

وتعتقد لارسون أن وجود الأسماء على الملابس، تظهر عليها دائمًا الكلمتين معًا، تشير إلى أن الفايكنج لم يقوموا بمجرد التجارة وتبادل السلع مع العالم الإسلامي فحسب، ولكن ربمًا أيضًا أخذوا منهم عادات الدفن والأفكار. وقالت في بيان صحفي «من المفترض أن عادات دفن عصر الفايكنج تأثرت بالإسلام وفكرة الحياة الأبدية في الجنة بعد الموت».
وأضافت أن السلع الخاصة بالكفن مثل الملابس الجميلة والمنسوجة بخيوط ناعمة في هذه الأقمشة لا تعكس الحياة اليومية للمتوفى إلا بقدر ما تعكس الملابس الرسمية في عصرنا وحياتنا اليومية، وينبغي أن ينظر إلى المواد الغنية لهذه السلع على أنها تعبيرات ملموسة من القيم الأساسية.
ليس من غير المألوف بالنسبة للقبور أن تشمل الأشياء والملابس الفخمة التي تدل على مدى غنى ورفاهية الأسرة. وسوف يكون هناك حاجة إلى مزيد من التحليل لمعرفة المزيد، ويجري هذا على الأشخاص الذين دفنوا مع هذه النوعية من الأكفان لتحديد ما إذا كانوا من بلاد فارس أو – وهو المرجح أكثر- فايكنج يرتدون المنسوجات الإسلامية.
وقالت هيلاري دافيدسون من جامعة سيدني، والتي تبحث في نقل المنسوجات الإسلامية والبيزنطية في العصور الوسطى: «كانت نوعية المنسوجات الحريرية الإسلامية من النوع الذي كان يثير طمع الكثيرين، واستخدمت في الكنائس المسيحية في جميع أنحاء أوروبا، وللاستثمارات أيضًا».
وأضافت أنه جرى تقدير هذه النوعية من الملابس والمنسوجات لجودتها وجمالها، وليس لسياقها الديني، الذي أصبح شائعًا وسط عمليات التجارة وتبادل السلع، حيث تم تداول هذه الحرير في أوروبا لعدة قرون، ومن الممكن أن أنماط الكتابة الكوفية الإسكندنافية نشأت كتقليد لنمط المنسوجات الإسلامية دون معرفة ما هو المعنى الذي تدل عليه.
وقالت أيضًا: «قد يكون جرى تطبيق واستنساخ هذه الملابس من الأنماط الإسلامية باعتبارها أمثلة على المكانة العالية، والحرير الثمين، والمنسوجات المميزة في هذا الوقت من عصر الفايكنج». الآن بعد أن كان من المعروف وجود هذه الأنماط، قد يكون من الأسهل في المستقبل التعرف عليه في المنسوجات الأخرى، وربما حتى القطع الأثرية الأخرى. يذكر أنه يجري عرض نتائج الباحثة لارسون حاليًا باعتبارها جزءًا من معرض «فايكنغ كوتور» في متحف إنكوبينغ بالسويد، والذي يمتد حتى 3 فبراير (شباط) 2018.

لقراءة الموضوع من المصدر:
https://www.sasapost.com/vikings-and-islam

سوف تتفاجأ... تعرف على الديانات والحضارات التي تسببت في قتل أكبر عدد من البشر عبر التاريخ

0


أعد الدكتور نفيد شيخ من جامعة لويسفيل دراسة حول أعداد القتلى في الأحداث العامة الكبرى كالحروب والحروب الأهلية والمذابح السياسية والعرقية في الفترة منذ بداية التاريخ الميلادي إلى عام 2008 (من 0 – لـ2008م)، متناولا فيها 321 حادثة  عامة –وليست جرائم شخصية- تورطت فيها الحضارات الإنسانية ومعتنقو الديانات المختلفة،  وجاءت الدراسة تحت عنوان “عداد القتلى.. دراسة إحصائية للعنف السياسي خلال حضارات العالم”، وشملت الدراسة عددًا من الحضارات الإنسانية والمعتقدات الدينية: (الإسلام والمسيحية والبوذية والهندوسية بالإضافة إلى الصينيين وعدد من الحضارات البدائية) ولم تشمل الدراسة الديانة اليهودية إذ اعتمدت بالأساس على ما وصفته ب”الحضارات” ولم تشمل  كل الديانات.
واعتمدت الدراسة في منهجيتها على إنشاء قائمة مجملة لأبرز وأهم أحداث العنف في الفترة من (0-2008 ميلاديا) وبعد ذلك تم تصنيفه بناءً على 4 أشكال أساسية من العنف وهي: االحروب، والحروب الأهلية، وعنف الحكومات، والعنف الهيكلي، وأوردت الدراسة تعريف لكل هذه المصلحات.
وكان أحد أهداف الدراسة هو توضيح إلى أي مدى تسببت الدوافع والأفعال السياسية إلى مزيد من العنف عالميا وتاريخيا، وبعد ذلك تم إحصاء حصيلة القتلى لكل حادثة للخروج بأكثر الحوادث دموية، وبعد ذلك تم تصنيف الحوادث وفقا لأسس “حضارية” لمعرفة عدد ما قتله التابعون لكل حضارة وديانة على حدى وتوفير إحصاءات إجمالية لذلك، وقد تم عمل الجداول الإحصائية وفقا لـ4 معايير أساسية وهي:

1-الحدث (الحرب العالمية الثانية مثلا)
2- عدد تقديري لحصيلة القتلى
3-  نوع الحدث (حرب –حرب أهلية-.. إلخ)
4- الحضارة المتورطة في القتل
 نلخص أهم إحصاءات القتل التي ارتكبتها كل “حضارة وديانة” تم ذكرها في الدراسة:
1- المسيحيون: 177.941.750 (30.73 %)
2-الملحدون: 125.287.500 
3 الصينيون: 107.923.750
4-البوذيون: 87.946.750
5-الحضارات البدائية: 45.561.000
6-المسلمون: 31.943.500 (5.52 %)
- الهندوس: 2.389.250

الإسلام... الدين الأسرع نموًا في العالم (دراسة حديثة)

0


يعيش في العالم 7.3 مليار شخص، ويمثل المسيحيون النسبة الأكبر من سكان العالم بوجود 2.3 مليار مسيحي، يمثلون 31.2 %من سكان الأرض، ومع ذلك فقد لا تستمر تلك السيطرة المسيحية كثيرًا خلال العقود التالية؛ إذ قد يُشاكسها الإسلام، الذي يُعد الدين الأسرع في معدلات النمو عالميًا، بنسبة زيادة متوقعة تصل إلى 70%  بحلول عام 2060، حسب الأرقام التي قدمها مركز "بيو".

ويرجع مركز «بيو» سرعة معدلات نمو عدد المسلمين عن غير المسلمين، إلى أكثر من عامل رئيس، أحدها زيادة معدلات الإنجاب عند المُسلمين عن غيرهم؛ فلكل امرأة مُسلمة 2.9 طفل في المتوسط، في مقابل 2.2 طفل، متوسط إنجاب لكل امرأة من الديانات  الأخرى مجتمعة، ومما يُعزز من سرعة معدل نمو عدد المسلمين أيضًا، هو أن متوسط أعمار المسلمين 24 عامًا، وهم بذلك أصغر بثماني سنوات عن غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى.

... الثورة ضد الرأسمالية المتوحشة

0






إن الأحداث التي شهدتها فرنسا هذه الأيام ومستويات العنف والهمجية التي بلغتها لم تعرفها فرنسا ولا أوروبا منذ سنوات طويلة، بحيث ثار الفرنسيين ثورة رجل واحد وهم مرتدين "السترات الصفراء" ضد غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية وزيادة الضرائب وسياسة الإفقار ... ومعبرين عن سخط شعبي ضد تداعيات الرأسمالية المتوحشة سرعان ما امتد إلى دول أوروبية مثل بلجيكا، ما ينذر بحدوث حراك أو بالأحرى ربيع أوروبي وعالمي ضد النظام الاقتصادي الدولي غير العادل... نظام رأسمالي متوحش يزيد الغني ثراء والفقير فقرا على فقر، نظام لا يخلق الثروة بالعمل ولكن بالتكديس الفردي لهذه الثروة، نظام يكرس تحكم الشركات متعددة الجنسيات في مصير دول ومجتمعات بكاملها، نظام أصبح فيه العامل المنتج هو أفقر شخص في المجتمع، نظام يرفع الضرائب إلى أعلى معدلاتها في حين يبقي الأجور على حالها، نظام يزيد من نسب التضخم العالمية من جهة ويلوح بشعار التقشف من جهة أخرى... من أجل كل هذا، خرج المواطنين في دول مثل فرنسا التي أصبح فيها راتب 2000 أورو شهريا لا يضمن لصاحبه أدنى متطلبات العيش اللائق في بلد الحرية والمساواة.

هي إذن الرأسمالية في أبشع وأعنف صورها وكأننا في القرن التاسع عشر، رأسمالية أدت إلى تفجير نظام الطبقية الاجتماعية وخدمة مصالح الأثرياء والشركات الخاصة وجعلت العمال مجرد عبيد عندهم يلهثون يوميا وراء حفنة من الأوروات... مع عدم مبالاة حكامهم مثل الرئيس الفرنسي ماكرون الذي صرح بأنه لن يخضع للعنف والتهديدات وأنه ماض في تطبيق سياسته، كيف لا وهو موظف سابق خريج بنوك روتشيلد العالمية التي تعد جزءا من هذه الهمجية الرأسمالية، أو الرئيس الأمريكي ترامب الذي يدير أمريكا وكأنها شركة اقتصادية متعددة الجنسيات، معتمدا في ذلك على أموال السعودية ومداخيل الضرائب وصفقات السلاح الضخمة دون الالتفات إلى الاقتصاد المنتج وضمان عيش رغد لكل الأمريكيين بدون استثناء.



إن الرأسمالية وبالرغم من سلبياتها وتداعياتها المدمرة على النظام الاقتصادي العالمي، إلا أنها تبقى النظام الاقتصادي المعتمد لدى الأغلبية الساحقة لدول العالم تحت العين الساهرة للولايات المتحدة الأمريكية الراعي السامي لنظام آدم سميث في شكله المتطرف.

إن هذه الرأسمالية هي التي أنتجت لنا البنك العالمي، وصندوق النقد الدولي الذي تستخدمه القوى الاقتصادية العالمية في الضغط على الدول المتخلفة والنامية لإغراقها في مستنقع القروض والديون ولنا في الأزمة الاقتصادية اليونانية أصدق مثال، وهي نفس الرأسمالية الجديدة التي تدفع بعض الدول النامية إلى مسح ديون دول أخرى أكثر تخلفا للتخفيف عنها حدة الأزمات الخانقة وجعلت من دول بأكملها ليست إلا مجرد ورشات ومصانع ضخمة تقضي فيها اليد العاملة كل يومها مقابل أجور رخيصة.

... هي إذن أزمات مالية لا تنتهي في ظل نظام اقتصادي مالي جائر غير أخلاقي ولا يعترف بالضعيف ولا يخدم مصالحه، بل يزيده فقرا وتبعية خاصة إذا كانت الدولة ريعية أو غير منتجة.

عرب نيوز

برسي كوكس.. ماذا تعرف عن البريطاني الذي هندس الخليج العربي؟

0



في بذّته الإنجليزية الأنيقة، ونحافته التي تلفت الانتباه في شيخوخة بلغت الرابعة والستين من عُمره، وثقته التي تبطن نوعا من الخيلاء والتفاخر بما قدّمه الرجل للأمة البريطانية، وله الحق، يصعد درج القاعة التي امتلأت عن آخرها، في تؤدة وهدوء، الجميع ينتظر كلمته بشغف، وصمت، الكل يريد أن ينهل من تجربة نادرة لا يجيدها إلا الأفذاذ من الرجال الذين استطاعوا تقمص دور محرّك عرائس الماريونيت، بل عرائس من البشر ذوي الدم واللحم والعروق، بجدارة يستحق عليها أرفع الأوسمة والنياشين.

إن الرجل الداهية القادم من عمق الصحراء العربية القاحلة، وشمسها الحارقة، استطاع أن يُخضع المتصارعين من رجال المشيخات والقبائل والدول الناشئة في تلك البلاد المتناحرة منذ جاهليتها، بل وفوق ذلك يتحد معهم ليُسقط أعظم وآخر خلافة جمعت العرب والترك في تلك المنطقة منذ عصر العباسيين، ألا وهم العثمانيون!
يصعدُ السير بِرسي كُوكس ( Sir Percy Cox) في يوم ضبابي من أيام لندن الباردة في منتصف فبراير/شباط من سنة 1929م أمام أعضاء الجمعية الملكية البريطانية بمناسبة مرور ست سنوات على تركه وظيفة المندوب السامي البريطاني في بغداد، ليقدم للحضور من أعضاء الجمعية لمحة عن ظروف إرسال الحملة العسكرية البريطانية التي احتلت العراق بين سنوات الحرب العالمية الأولى (1914-1918م) وما ينبغي لبريطانيا أن تقوم به في إقامة العلاقات مع شيوخ الخليج العربي في قادم الأيام، قائلا وناصحا صناع القرار السياسي في الإمبراطورية البريطانية الذين جلسوا بين يديه تلاميذا:

"لقد ارتفعت أصوات المنتقدين لإرسال هذه الحملة في ذلك الحين وفيما بعده... وقد فات هؤلاء المنتقدين طبيعة الموقف الذي حتّم علينا مواجهته نظرا لارتباطنا بمعاهدات ملزمة، وبصداقات متينة مع الحكّام العرب على الساحل الغربي وخاصّة أولئك الذين يحكمون رأس الخليج العربي أمثال شيخ الكويت وشيخ المحمّرة، وكان من المؤكد أننا لو تركنا هؤلاء دون عون فلن يكون أمامهم خيار آخر غير تجربة حظّهم مع العثمانيين، وبذلك تصبح معظم المنطقة العربية في قبضتهم، وسيجر ذلك إلى إعلان الجهاد ضدنا وإلى تعرّض مصافي النفط على شاطئ الخليج، وكنا على ثقة من جهة أخرى أننا إذا ما أظهرنا مقدار قوتنا وقدرتنا على مساعدة الحكام العرب فإننا سنتمكن من كسبهم إلى جانبنا"[1].

شركة الهند الشرقية
في 21 يناير/كانون الثاني من العام 1600م أعلنت الحكومة البريطانية عن إنشاء شركة الهند الشرقية، وخلال قرنين كاملين استطاع الإنجليز إقصاء منافسيهم البرتغاليين والهولنديين والفرنسيين من الساحة الخليجية ليخلو لهم المجال لفرض السيطرة، فكانت شركة الهند الشرقية لاعبا أساسيا في هذه التطورات، وهي واحدة من أكبر الكيانات التجارية وأكثرها تأثيرا على الإطلاق، منذ سبعينيات القرن الثامن عشر وما تلاها، تطور وضع الشركة في الهند من السيطرة الاقتصادية إلى لعب دور سياسي ساعد في تعزيزه جيشها وأسطولها.

في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، سيطر اتحاد قبائل القواسم على مضيق هرمز، وهو نقطة العبور إلى الخليج. كان للقواسم أسطول هائل من السفن التجارية والحربية مقره رأس الخيمة والشارقة بالتبادل. وكانت الضرائب هي مصدر الدخل الرئيسي للقواسم، حيث قاموا بفرضها على جميع أنواع التجارة المارَّة عبر مضيق هرمز.
رفض البريطانيون دفع هذه الضرائب وبطبيعة الحال تأججت توترات بالغة بين القواسم والبريطانيين، ووصل الحال بالبريطانيين إلى أنهم نعتوا القواسم "بالقراصنة". وبعد سلسلة من المواجهات بين الجانبين في ١٨٢٠، حاصرت القوات البريطانية رأس الخيمة ودمَّرت أسطول القواسم بالكامل؛ وبالتالي بدأت الهيمنة البريطانية الحقيقية على المنطقة[2].

تمثّلت الهيمنة البريطانية على الخليج العربي منذ ذلك الحين بتعيين وكيل سياسي تولى زمام الأمور من جزيرة قشم ثم انتقل إلى بوشهر جنوب إيران بمعية من حكومة بريطانيا في الهند، وظل الوكيل السياسي البريطاني يتابع مهام عمله السياسية في مراقبة وأداء الاتفاقيات السياسية مع حكام مشيخات الخليج العربي حتى انتقل إلى البحرين سنة 1947م، ولعل أهم تلك الاتفاقيات وأكثرها لفتا للانتباه معاهدة سنة 1853م التي تم بمقتضاها تنازل الحكام العرب لا سيما "إمارات الساحل العُماني" عن حقهم في شن الحروب البحرية مقابل الحصول على حماية البريطانيين ضد التهديدات الخارجية الموجهة لحكمهم[3].
  
علاقات الإنجليز بحكام الساحل
امتدت العلاقات البريطانية بكل من حاكم مسقط والأئمة في اليمن ومشيخات ساحل عُمان (الإمارات) والكويت والبحرين وقطر، فضلا عن علاقتها بكل من الوهابيين التي بدأت مبكرا سنة 1809م في عهد سعود بن محمد ثم علاقتها بالأشراف في الحجاز والتي تكللت باتفاق الجانبين على ما عُرف تاريخيا باسم "الثورة العربية الكبرى".
كان الهدف البريطاني الأساسي حماية المصالح التجارية والسياسية، وتحطيم النفوذ العثماني في تلك المناطق، ولأجل ذلك أبرمت مع أمراء وشيوخ الخليج العديد من اتفاقيات الحماية العسكرية والتجارة، وكانت تدفع في سبيل التوزان السياسي وعدم الاعتداء البيني في تلك المناطق مُشاهرات أي مرتبات شهرية لعدد من شيوخ تلك المشيخات.
  
في عام 1895م تعرّض فيصل بن تركي سلطان مسقط عُمان إلى اضطرابات داخلية ساعده فيها القنصل الفرنسي المسيو بوتافي، ترتب على ذلك حصول الفرنسيين على إقامة مستودع للذخيرة ومحطة فحم في مسقط تتزود منه السفن الفرنسية، الأمر الذي أقلق البريطانيين، وعدّوه خرقا للمعاهدة السرية المعقودة مع السلطان سنة 1891م التي كانت تنص على عدم تنازل السلطان العُماني عن أي جزء من أراضيه إلى دولة أجنبية ما عدا بريطانيا، ودفع ذلك اللورد كرزن (Lord Curzon) نائب الملك في الهند إلى اختيار السير برسي كوكس ليكون وكيلا سياسيا لبريطانيا في مسقط، وذلك في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 1899م لفشل الوكيل البريطاني السابق في توثيق العلاقات مع سُلطان مسقط[4].


بدايات كوكس
منذ ذلك العام يبدأ نجم برسي كوكس في البزوغ، وفي إعادة تشكيل منطقة الخليج العربي ولحد قيام الحرب العالمية الأولى (1914- 1918م) والتي ستكون تكليلا لنجاحاته في ترويض مشيخات الخليج لصالح السياسة البريطانية وحتى الوصول إلى الهدف الأكبر بإسقاط العثمانيين في الخليج والعراق.

نجح كوكس في إثناء حاكم مسقط عن معاهدته مع الفرنسيين، كما أسهم في الجهود البريطانية للحد من تجارة الأسلحة المجلوبة للخليج والتي كان مركزها الأكبر في مسقط، وحين زار اللورد كرزون الخليج العربي بادئا زيارته من مسقط الذي استقبل حاكمها فيصل بن تركي ومستشاره كوكس على ظهر الأسطول البريطاني.
وقد فعل كيرزون ذلك مع كل أمراء وشيوخ الخليج الذين التقى بهم على ظهر سفينة حربية لإظهار القوة البريطانية، ولتخويفهم، ولم يلتق في ضيافتهم، وإنما طلب منهم الحضور إليه، وألقى فيهم خطابا تحت قوة مدافع الأسطول البريطاني عبّر فيه عن وجهة نظره الاستعمارية إذ راح يعدد المآثر البريطانية وأفضالها في حفظ الأمن، وتخليص هذه المنطقة وإقصاء أعداء بريطانيا من الفرنسيين والروس والعثمانيين والألمان.
جاء في خطابه: "لقد أنقذناكم من أن تهلكوا بأيدي جيرانكم، وفتحنا هذه البحار لسفن جميع الدول، ومكّنا لأعلامها من أن تُرفرف في سلام، ولم نأخذ أراضيكم ولم نحاول القضاء على استقلالكم، بل عملنا على حماية هذا الاستقلال، وبالتالي فلن نفرّط الآن بما حقّقناه من نصر كبير طيلة قرن من العمل الدؤوب"[5].
   
عقب ذلك انطلق كوكس مع نائب الملك البريطاني في الهند لاستكمال باقي الزيارة التي حطّت رحالها في الكويت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1903م، وهنالك التقى كوكس بالشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت، وسرعان ما اتفق الجانبان على إنشاء وكالة/ممثلة سياسية بريطانية في الكويت تم افتتاحها بالفعل في 5 أغسطس/آب 1904م.
كان إنشاء هذه الوكالة تكليلا للاتفاقية الموقعة بين الجانبين في 23 يناير/كانون الثاني 1899م، وفيها ما يشبه إعلان الحماية البريطانية على الكويت، حيث تعهّد شيخ الكويت "عن نفسه وورثته وخلفائه من بعده ألا يقبل وكيلا أو قائم مقام من جانب دولة أو حكومة في الكويت أو في أي منطقة أخرى من حدوده بغير رخصة الدولة البهية القيصرية، كما يُلزم نفسه وورثته وخلفاءه من بعده بألا يتنازل ولا يبيع ولا يؤجر ولا يرهن ولا يعطي للتملك أو لأي غرض آخر أي جزء من أراضيه إلى حكومة أو رعايا دولة أخرى بدون الموافقة السابقة للحكومة البريطانية على هذه الأغراض"[6].

في مقابل الامتيازات والاستثناءات الجمركية التي حصلت عليها بريطانيا من الكويت، وإقامة وكيل قنصلي ورفع العلم الإنجليزي بجوار العلم العثماني، كانت بريطانيا تدفع نظير ذلك إلى الشيخ مبارك سنويا مبلغ 15 ألف روبية من خزانة بوشهر، كما تساهلت بصفة خاصة في تصدير الأسلحة لكي يستعين بها الشيخ ضد أعدائه، وبسبب من هذه الاتفاقية سحبت الدولة العثمانية ملكية الأراضي الكويتية الواقعة على شط العرب والتي كانت تدر على الشيخ 4 آلاف جنيه بريطاني كل عام، الأمر الذي اضطر معه الشيخ مبارك إلى إبقاء الاتفاقية قيد السرية[7].
 
هيا إلى كوكس!
بسبب نشاط كوكس الذي أفاد وزارة المستعمرات البريطانية إفادة كبرى بتقريب وجهات النظر، وتوثيق العلاقات مع حُكّام مشيخات شرق الخليج العربي، فقد جاء القرار بترقيته وتعيينه في عام 1906م مقيما سياسيا دائما لبريطانيا في الخليج العربي بدلا من الكولونيل كمبل (Kembal) متخذا من بوشهر مقرا لعمله، ومن هناك أخذ الرجل يُتابع علاقات بلاده مع شيوخ الخليج، ويبعث بتقاريره وبرقياته إلى رؤسائه المباشرين في حكومة الهند البريطانية، وكانت أولى المهام التي رأى أن حلها يجب على وجه السرعة، إنهاء الخلافات الحدودية بين تلك المشيخات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، العلاقات بين آل مبارك حكام الكويت وآل سعود حكام نجد وقتها، والتي أولاها البريطانيون اهتمامهم فعليا؛ لخوفهم من تحالف الكويتيين مع الدولة العثمانية وممثليهم القريبين منهم في البصرة وبغداد[8].
ؤكد الباحثون في تاريخ تلك الحقبة الأهمية المتنامية لدور كوكس بوصفه المقيم البريطاني في الخليج، وعلاقته بالكويت التي اعتبرت حجر الزاوية في ترسيخ وتقريب إمارات نجد لا سيما آل سعود وآل رشيد مع البريطانيين، ففي وثيقة مؤرخة بـ 24 أبريل/نيسان 1907م أرسل كوكس إلى رؤسائه في حكومة الهند البريطانية برقية جاء فيها لجوء أمير حائل سلطان بن حمود آل الرشيد إلى الشيخ مبارك الصباح أمير الكويت طالبا منه في مناسبتين مختلفتين أن يتوسط لدى الحكومة البريطانية لوضع إمارته تحت حماياتها، نكاية في العثمانيين الذين تجاهلوه ولم يعودوا يرسلون له المخصصات المالية التي كان يرسلها الباب العالي في إسطنبول إلى أمير آل رشيد كما جرت العادة، والذي أقلقه أيضا علاقتهم بمنافسه آل سعود في الرياض.

يقول كوكس في برقيته: "وقد أخبرتُ الشيخ مبارك في كلتا المناسبتين، كما فعلتُ في الحالات المماثلة السابقة، أنني لا أستطيع أن أفعل أكثر من إبلاغ الطلب إلى حكومة الهند وانتظار تعليماتها"[9]. وهكذا أثبت كوكس جدارته في السنوات السبع الأولى أنه رجل يستحق أن تُلقي بريطانيا ثقلها خلفه، وأن يكون له دوره القوي والمتنامي مع مشيخات الخليج العربي التي كانت عقلية القبيلة والولاء والعصبية لا تزال تتحكم في سياساتها عند بزوغ شمس القرن العشرين، وفي تقريرنا القادم سنرى دور الكويت في إحياء أمل آل سعود في العودة إلى الحكم وموقع البريطانيين في تلك الأحداث!


لقراءة المقال من المصدر على الرابط التالي:
http://midan.aljazeera.net/intellect/history/2018/10/28/%D8%A8%D8%B1%D8%B3%D9%8A-%D9%83%D9%88%D9%83%D8%B3-%D8%B1%D8%AC%D9%84-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%87%D9%86%D8%AF%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A


المحكمة الأوروبية ترفض الإساءة للرسول... قرار لم يجرأ العرب على اتخاذه؟

0

حكم تاريخي نطقت به المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وقضت بتجريم الإساءة للرسول محمد، انتصرت للمقدسات الدينية ورفضت إدارج الحط من قدر المقدسات بعمومها ومنها العقيدة الإسلامية، ضمن حرية الرأي والتعبير، لتؤيد بذلك حكم المحكمة الجنائية الإقليمية في فيينا بالنمسا التي كانت صاحبة السبق في رفض السماح بالطعن في النبي محمد، واعتبرته تجاوزًا لحدود الحرية المكفولة للأشخاص، ويدخل ضمن نطاق الاستهزاء المجرم.
وبهذا الحكم غير المسبوق، دخلت أوروبا مرحلة ما بعدها ليس كما قبلها، في السابق كان أحد أهم أركان الحضارة الأوروبية الحديثة، إطلاق العنان للحريات التي تأسست على مظالم القرون الوسطى وشرورها وقيودها التي منعت الناس آنذاك من ممارسة حرياتهم بكل صورتها بوازع ديني كهنوتي، فكان الحل في إباحة حرية التعبير والاحتجاج والتظاهر ونقد الموروث الديني بل وإزاحته للخلف، للاحتفاظ بمقومات الحداثة في مواجهة التخلف والقيود.
وبمرور الوقت وعدم إظهار الخط الفاصل بوضوح تام بين الحرية بالفوضى، تجاوز غالبية أبناء الغرب الحدود المكفولة لحرية الأشخاص تجاه معتقدات الآخرين، وبشكل خاص الدين الإسلامي الذي زادت جرعات الاستهزاء منه والاستهانة بمشاعر المسلمين الذين يؤمنون بنبوة ورسالة النبي محمد، ويرفضون أي محاولة خبيثة مغموسة بفوبيا الحداثة للإساءة إليه.
النمسا.. البداية الحقيقة في الانتصار لـ"العقائد"
عام 2009، اختصم بعض المسلمين سيدة نمساوية، بسبب إقامتها ندوتين للحديث عن الإسلام ونبيه، هاجمت السيدة الدين الإسلامي بشكل فج وتعرضت لشخص الرسول بأحاديث من مصادر ثانوية ومغلوطة عن زيجاته، وتعدى عرضها حدود أي قالب متعارف عليه في مناهج البحث العلمي، ووثق الشاكين تعرضها للنبي بالإساءة والاستهزاء والسخرية.
حرية الرأي والتعبير من أهم القضايا المشوشة في العالم، ومن الصعب القبول بتعريف محدد لها
اختُصت المحكمة الجنائية الإقليمية في فيينا بالفصل في النزاع، وإن كان الطعن في نبي الإسلام، يدخل ضمن الحدود المسموح بها لحرية التعبير، بما يؤسس على الحكم للسيدة وغيرها فيما بعد، نظرت المحكمة القضية وتداولتها ثم أصدرت حكمها التاريخي في 15 من فبراير2011، واعتبرت أن التصريحات المسيئة التي أطلقتها السيدة النمساوية، لا تتعدى حرية الرأي فقط، ولكنها تهين المعتقدات الدينية، وإثر ذلك قضت المحكمة بتغريمها 480 يورو بجانب مصاريف التقاضي.
لم تصمت السيدة النمساوية وملأت الدنيا صراخًا، وطعنت على الحكم وسط حملة إعلامية صاخبة، ولكن جاء حكم محكمة الاستئناف صارمًا، وأيد حكم الجنائية الإقليمية في ديسمبر من العام نفسه، وكان الحكم حديث الأوساط القضائية والسياسية والإعلامية في هذا التوقيت، ولكن ظروف اندلاع الربيع العربي وانشغال العرب والمسلمين بمستقبل بلادهم بعد عقود من الفساد، ألهى الجميع عن متابعة سير قضية بهذا الحجم والخطورة.
طوال سبع سنوات، ظل القرار حبيس النقاشات داخل المجتمع النمساوي، وبسبب عدم وجود إعلام محلي ذائع الصيت عالميًا، كما هو الحال في أمريكا وبريطانيا، لم ينل الحكم حقه من المتابعة سواء على المستوى العالمي أم العربي والإسلامي، حتى أيدته في 25 من أكتوبر الماضي، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ورفضت الطعن في النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، واعتبرت الإساءة إليه لا تدخل ضمن حدود الحرية الشخصية.
المحكمة الأوروبية استندت إلى تجاوز تصريحات السيدة النمساوية ما أسمته الحد المسموح به في النقاش، وصنفته كهجوم مسيء على رسول الإسلام، وفي ظروف كتلك التي يمر بها العالم، يمكن لمثل هذه الأفكار أن تعرّض السلام الديني للخطر، وفي المقابل أشادت الأوروبية بأداء ومهنية المحاكم المحلية في النمسا، وأكدت أنها قامت بتوازن دقيق بين حق المرأة في حرية التعبير وحق الآخرين في حماية مشاعرهم الدينية والحفاظ على السلام الديني في النمسا.
حرية الرأي والتعبير.. ما كل هذا الجدل؟
حرية الرأي والتعبير من أهم القضايا المشوشة في العالم، ومن الصعب القبول بتعريف محدد لها يناسب كل المجتمعات المختلفة ثقافيًا واجتماعيًا، سواء على مستوى التنظير أم التطبيق، ويقع هذا الاختلاف نفسه في أعتى الديمقراطيات الأوروبية التي تتشرذم حتى الآن في تحديد مفهوم محدد للعلمانية، ويمكن النظر إلى المجتمع الأمريكي والبريطاني والفرنسي لمعرفة حجم التباين في النظرية والتطبيق، بين الدول الثلاثة الأكبر في العالم والأشد حرصًا على الرأي والتعبير وفصل الديني عن السياسي والاجتماعي، في مفاهيم الدنيوية والتطبيقات العلمانية التي يجب أن تكون.
كانت بريطانيا أول من وضع حرية الرأي والتعبير ضمن القوانين المعمول بها بشكل رسمي في البلاد، بعد الإطاحة بالملك جيمس الثاني من حكم إنجلترا عام 1688، والصدامات التي عاشتها البلاد بسبب ديكتاتورية جيمس، وبعد تولي الملك وليام الثالث الحكم، أصدر البرلمان البريطاني قانون أسماه "حرية الكلام في البرلمان".
تلا ذلك إعلان فرنسا حقوق الإنسان والمواطن عام 1789 عقب اشتعال الثورة الفرنسية، ونص القانون على اعتبار حرية الرأي والتعبير، جزء أساسي من حقوق المواطن، بينما تأخرت أمريكا بسنوات طويلة عن بريطانيا وفرنسا التي نص دستورها آنذاك على تجريم معارضة الحكومة الفدرالية جريمة، ولهذا لم تكن هناك مساواة في حقوق حرية التعبير بين السود والبيض.
في منتصف القرن الماضي، ورغم انتهاء العالم من الحروب العالمية المدمرة، وسيادة أجواء توقر القانون الدولي وتدعو لتجنب الصراعات، أغفلت الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت عام 1948، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتضمن نفس الوساوس البريطانية الفرنسية عن ضرورة إعطاء كل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير.
وأكد المجتمع الدولي على هذه المبادئ من جديد عام 1966، بإصدار العهد الدولي للحقوق المدينة والسياسية الذي تضمن توسيع صلاحيات حريات الرأي والتعبير وشدد على حق كل إنسان في اعتناق الآراء دون مضايقة، والتعبير عنها ونقلها للاخرين دون اعتبار للحدود بالوسيلة التي يختارها، ودون أن يضع في الاعتبار ما يمكن أن يصدر من إساءات للأديان بسبب هذه الحدود غير الواضحة بين الحرية والإساءة للغير. 
حرصت قوانين المجتمع الدولي والمجالس والمعاهدات المهنية المعنية بضمان حق الرأي والتعبير، على ضرورة عدم التعرض بالإساءة لمعتقدات الآخرين، واعترفت أن المعتقد هو المؤثر الأول في المشاعر الإنسانية، والإساءة له قد يثير ردود فعل غير محسوبة من أصحاب المعتقد، وطالبت عدم تكفير الأشخاص والافتراء عليهم، وعدم التطاول على الذات الإلهية أو الأنبياء والرسل، وأن لا يستغل حق التعبير عن الرأي في أغراض مريبة، ولا بطريقة تستفز الآخرين وتدعو إلى إشاعة الرذيلة والفساد داخل المجتمعات، ورغم ذلك لم يكن المجتمع الأوروبي حريصًا على احترام العقائد، بل كان يقف دائمًا في موقع المتفرج على الإساءات للمعتقدات الدينية وخاصة الإسلام.
بعض صحف فرنسا، وفي القلب منها  شارلي إيبدو، أشاعوا مناخًا من الكراهية بذم الإسلام، ورغم ذلك تسارعت القوى السياسية والاجتماعية إلى الدفاع عنها بحجة الدفاع عن الرأي والتعبير، وكذلك في الدنمارك وبعض الدول الإسكندنافية، كانت الصحف تلبي حاجة في أوساط المثقفين الغربيين وخاصة الفرنسيين منهم بممارسة نوع من الغطرسة الثقافية، سواء تجاه الأقلية المسلمة الكبيرة هناك، أو العالم الإسلامي بشكل عام، الذي يرتبط في أذهانهم بشكل وثيق بالإرهاب والتطرف والعنف والتخلف الحضاري.
العرب.. السلبية تحكم
طوال العقديين الماضيين اللذين انتشرت فيهما الإساءة والتنمر الثقافي على الإسلام والمسلمين بشكل غير مسبوق، لم يكن لدى العرب والمسلمين موقف رسمي يعبر عن انحيازهم لهويتهم الثقافية والدينية، فلم تتحرك الحكومات العربية لإحداث نوع من التغيير والتأثير داخل المجتمعات الغربية عبر المؤسسات البحثية والإعلامية المعنية، سواء لغياب هذه المقدرات عن الوعي العربي أم لخوف الحكام العرب من تأصيل ثقافة المواجهة بالكلمة، التي يمكن أن تنتقل للداخل المأزوم المنكفئ على حاله.   
باستثناء بعض الاجتهادات لمنظمة التعاون الإسلامي والمبادرات الشخصية للسفراء العرب في مخاطبة العديد من المسؤولين لوقف الحرب على الإسلام، التي باءت جميعها بالفشل، تركت الحكومات العربية المهمة كاملة للتيارات الدينية، وفتحت لها الشوارع لتنظيم مظاهرات تحرق أعلام الدول الأوروبية وتندد بالحداثة وتنعتها بالمجون والرغبة في شيوع الانحلال والكفر، بما يروق للقادة العرب ويطيل من أعمارهم في الحكم، وهي المرادفات التي لا تزال تحكم عقول الكثير من الأجيال التي عاصرت تلك الحقبة، وحاربت شباب الربيع العربي وروجت إما للأنظمة السابقة أو دعمت الأنظمة الجديدة التي أسست شرعيتها على فشل الإسلاميين في الحكم، ورفضت الحقوق الواسعة للرأي والتعبير التي جاءت بهم الثورات العربية. 
انحصر الرد العربي والإسلامي في الهجوم على الحداثة والثقافة الأوروبية عبر المنابر الإلكترونية والإعلامية للمشايخ وأئمة السلف، وبدلاً من إحداث نوع من التفاعل بين الثقافات والتأسيس على هذه الأزمات لتأكيد ضرورة إباحة حرية الرأي والتعبير للمسلمين، وفتح الإعلام والمنابر الثقافية للتفاعل مع الآخر، وإظهار الجانب الحضاري للإسلام، سادت الأجواء مجموعة تعريفات تحض على الكراهية، وانحصرت في ضرورة تحذير المسلمين من التباين الواسع في الفهم الإسلامي والليبرالي لمسألة الحرية وحدودها، وتنوعت أساليب زندقة الغرب، وانشغلت التيارات المتشدة بالتكفير والعنف والهجوم، بدلاً من الاستعداد للظهور للعالم كقوة أخلاقية، قد تكون اللبنة الأولى لمجتمع متقدم أو متحضر، ورغم كل ما حدث في العالم طوال السنوات الماضية من جراء التشدد والتطرف، يعيدنا مثل هذا الحكم لواجهة المسؤولية من جديد، فهل يتعظ المسلمون مما جرى، الأيام حبلى بالرد! 
لقراءة المقال من المصدر على الرابط التالي:
https://www.noonpost.org/content/25349

في حالة ثبوت جريمة خاشقجي... كيف يمكن معاقبة المملكة السعودية؟

0


نشرت صحيفة "فيلت" الألمانية مقال رأي للكاتب الألماني، ياريت بلانك، استعرض فيه أربعة إجراءات يمكن اتخاذها لمعاقبة المملكة العربية السعودية. وبعد أن اعترفت السعودية بمقتل الصحفي جمال خاشقجي، دعت مختلف الجهات الغربية إلى فرض جملة من العقوبات عليها. ويبدو أن هذا الإجراء غير ناجع، وهو ما يستوجب إتباع طرق أخرى.

وقال  الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد أن تبين أن المملكة العربية السعودية قد قتلت خاشقجي بشكل متعمد وبتخطيط مسبق،  أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن التفاوض مع نواب الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول مسألة فرض عقوبات على السعودية. ولكن يبدو أن هذا الإجراء غير صارم بما فيه الكفاية، بل يجب على واشنطن أن تتوقف عن دعمها المطلق للسياسة الخارجية السعودية.

وأكد الكاتب أن الرئيس الأمريكي يملك الوسائل الكفيلة لحظر أي دعم للسياسة السعودية. وفي حال امتنع عن ذلك، يجب على الكونغرس الأمريكي أن يتدخل. ويستند فرض عقوبات على المملكة العربية السعودية إلى قانون ماغنيتسكي الذي يخول للولايات المتحدة الأمريكية فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ولكن إلى حد الآن، لم تبدي الحكومة الأمريكية أي استعداد لمحاسبة الحكام المستبدين.

وأشار الكاتب إلى أن الكونغرس الأمريكي لا يقدر على إجبار السلطة التنفيذية على فرض عقوبات، لكن يمكنه الضغط عليها في حال امتنعت عن ذلك. ويدل الإصرار على تطبيق قانون ماغنيتسكي أن العقوبات الأخرى لا تتناسب حقيقة مع الجرم الذي ارتكبته المملكة. من جهتها، أكدت مصادر مقربة من الحكومة السعودية أن الرياض ستخفض تكاليف إنتاج النفط في حال فرضت الحكومة الأمريكية عليها جملة من العقوبات، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.

وأوضح الكاتب أن الإجراءات العقابية بموجب قانون ماغنيتسكي والعقوبات الاقتصادية لا تُعتبر وسائل ناجعة لإجبار المملكة العربية السعودية على تغيير سياستها.

وأفاد الكاتب أن أول إجراء يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية ضد المملكة يتمثل في التخلي عن دعم الحرب اليمنية. و تُعتبر حادثة خاشقجي فرصة لتتخلى الحكومة الأمريكية عن دعم السعودية في اليمن خاصة وأن هذه الحرب قد خلفت مئات الآلاف من الضحايا. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية دعمت السعودية بشكل مباشر خلال عهدي الرئيسين باراك أوباما ودونالد ترامب.

وأورد الموقع أن ثاني إجراء يمكن أن تتخذه الإدارة الأمريكية يكمن في اتخاذ موقف محايد من الصراع السعودي الإيراني. ويمكن أن تنأى الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها عن السياسة العدائية ضد إيران عن طريق اتخاذ إجراءات أقل صرامة ضدها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تستثني الإدارة الأمريكية تجارة النفط من العقوبات، كما يمكنها أن تضمن أن لا تؤثر العقوبات المفروضة على طهران على المساعدات الإنسانية. وبهذه الطريقة، يمكن للإدارة الأمريكية أن تخلق مناخا من الاستقرار في أسواق النفط دون مساعدة سعودية.

وأضاف الكاتب أن ثالث إجراء يمكن أن تتخذه الحكومة الأمريكية ضد السعودية يتمحور حول تقليص التعاون العسكري، حيث يجب تجميد العلاقات بين الأجهزة الاستخبارات السعودية ونظيرتها الأمريكية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إعادة النظر في صفقات الأسلحة. في الأثناء، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكتشف المتورطين في اغتيال خاشقجي بشكل مستقل وأن تتثبت من هوياتهم وفقا لاتفاقية لاهاي.

وبين الكاتب أن رابع إجراء يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية ضد المملكة العربية السعودية هو التخلي عن الدعم المطلق لولي العهد محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن بن سلمان يتصرف بشكل متهور، إلا أن ترامب ووزير خارجيته مايك بومبيو، يصران على دعمه بشكل مطلق. في الأثناء، يمكن تهميش ولي العهد السعودي والتعامل مباشرة مع والده الملك سلمان بن عبد العزيز وبقية المسؤولين.

وأبرز الكاتب أن الكونغرس الأمريكي يملك الصلاحيات الكافية التي تسمح له بتقليص الدعم الأمريكي للحرب اليمنية وإلغاء تراخيص تصدير الأسلحة، علاوة على تكليف هيئات الرقابة بمراجعة العلاقات الأمريكية في المجالات الأخرى المتصلة بالأمن. كما يمكن للكونغرس الأمريكي أن يجري تحقيقا شفافا مع مختلف الأحزاب فيما يتعلق بالعلاقات المالية بين ترامب والمملكة العربية السعودية.

وفي الختام، ذكر الكاتب أن المملكة العربية السعودية على وعي بمدى ارتباطهابالولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالمجال الأمني ومشروعها الحداثي. في المقابل، تحتاج الولايات المتحدة الأمريكية للسعودية لتحقيق التوازن في أسواق النفط.

للاطلاع على نص التقرير الأصلي اضغط ها

لماذا قُتل جمال خاشقجي؟ إليك الأسباب…

0




خاشقجي «معارض سعودي» من نوع مختلف، فريد من نوعه، وهو معتدل ومعروف جيداً وصاحب علاقات واسعة تضم شخصيات من العائلة المالكة السعودية ومعارضين من أطياف وبلدان مختلفة وصحفيين وأكاديميين كبار، وهو كذلك مؤثر للغاية ولهذا تم قتله في بهذه الطريقة المروّعة! وكل الذين التقوه مؤخراً قالوا إن مسحة من الحزن والأسى، وربما اليأس كانت تخرج من بين «كلمات أبو صلاح» كما كان أصدقاؤه ينادونه، وكأنه كان يشعر بما سيحدث له في سفارة بلاده عما قريب.
عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات والتشهير العام للمثقفين والزعماء الدينيين الذين يتجرؤون على التعبير عن آرائهم، ثم أقول لكم إنني من المملكة العربية السعودية، فهل يفاجئكم الأمر؟” كتب جمال في أول مقالة له بواشنطن بوست، معلناً موقفه الجديد، وأضاف: لقد كان أمراً مؤلماً بالنسبة لي قبل سنوات عديدة عندما اعتُقل عدةٌ من أصدقائي. لم أقل شيئاً. لم أرد أن أفقد وظيفتي أو حريتي. وقلقت بشأن عائلتي. وقد اتخذت خياراً مختلفاً الآن. تركت وطني وعائلتي ووظيفتي، وها أنا أرفع صوتي. إذ إن القيام بغير ذلك سيكون خيانة لهؤلاء القابعين في السجون. فأنا يمكنني التحدث عندما لا يستطيع كثيرون. أريدكم أن تعرفوا أن السعودية لم تكن دائماً مثلما هي الآن. ونحن السعوديون نستحق ما هو أفضل من هذا.

أسباب اغتيال جمال خاشقجي
في سعينا لاستعراض الأسباب التي جعلت مسؤولين سعوديين يقومون بقتل «المعارض السعودي» في سفارة بلاده في الخارج، تواصلنا مع محلل سياسي مطلع على قضية «اغتيال جمال» وأخبرنا إن قضية قتل جمال خاشقجي في السفارة ليست بهذه الصعوبة، ولا تحتاج لجهد كبير لكشف تفاصيلها مقارنة بعمليات أخرى معقدة. ومع ذلك لم يتسن للمسؤولين السعوديين تهريب خاشقجي خارج البلاد ولا تركه بعد أن قاموا باختطافه وتعذيبه، القضية بسيطة من الناحية الجنائية: دخل سفارة بلاده وقتل، ولا تعقيدات كبيرة في فهم ما جرى!

لهذا قتلوا «الرجل المعتدل» الذي يتحاشى وصفه بالمعارض
في حواراته كان جمال خاشقجي، يمدح وينقد، ويعترض ويوافق، ويؤيد بعض الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد محمد بن سلمان، ويعارض بعضها أيضاً، ولم يكن خاشقجي راديكالياً ولا جذرياً، ولم يطالب بإسقاط حكم العائلة السعودية للبلاد كما يفعل غيره من المعارضين في الخارج. وإضافة لذلك كان خاشقجي يتحاشى وصفه بـ «المعارض السعودي»، حسب الصحفي ديفيد هيرست الذي وصف نفسه «بصديقه» وأضاف هيرست أن خاشقجي «اعتبر نفسه ملكياً، ابناً للمؤسسة، وصحافياً مخضرماً في السياسة الخارجية، وكان لأمدٍ طويل داخل دائرة الديوان الملكي التي يكتنفها الغموض. وسافَرَ معهم في مناسباتٍ سابقة». ولم يشكك خاشقجي في شرعية الملكية السعودية، ولا قواعد تداول الحكم فيها، وكان مؤيداً للملك سلمان نفسه بعد توليه مقاليد الحكم.

صورة سابقة لجمال خاشقجي مع ولي العهد السعودي
ولكونه بهذه الاستثنائية واجه خاشقجي «انتقاماً استثنائياً»
لا يشكل حجم جمال خاشقجي ووزنه في الأوساط الإعلامية والدوائر الصحفية سبباً وحيداً لاستهدافه، ولكن أيضاً لاعتداله ورصانته وانفتاحه الشديد على أطياف ودوائر وأوساط مختلفة. فالصحفي السعودي معروف بكونه صاحب علاقات متوازنة مع المعارضين الإسلاميين والليبراليين على حد سواء في السعودية وخارجها، وله حضور قوي في قضايا إقليمية مهمة مثل سوريا ومصر واليمن، والملف الإيراني.

معضلة الشهرة والاعتدال والانفتاح.. لهذا قُتل خاشقجي!
وفضلاً عن ذلك يتمتع بعلاقات واسعة تضم معارضين إسلاميين عرباً، ومسؤولين أتراكاً، وإعلاميين وصحفيين غربيين، وأكاديميين ومثقفين ذوي شهرة وتأثير عالمي، وعموده الأسبوعي في صحيفة واشنطن بوست الأميركية يعكس مدى شهرته وتأثيره، الأمر الذي جعل الجريدة الكبرى تبقي عموده فارغاً في ذكرى مقاله الأسبوعي بعد اختفائه.
وكانت له صلاته القديمة بالقصر
وفضلاً عن العلاقات خارج السعودية، فالصحافي السعودي يتمتع بعلاقات واسعة أيضاً مع دوائر العائلة السعودية الحاكمة وكان يُقدم باعتباره صحافياً سعودياً مقرباً من القصر الملكي الحاكم في البلاد. وأصبح نائب رئيس تحرير صحيفة «أراب نيوز» في نهاية التسعينيات ولمدة أربع أعوام، وعُيّن رئيساً لتحرير صحيفة «الوطن» منذ 2004 وهو المنصب الذي أُقيل منه لاحقاً بطريقة غير مفهومة، وعيّن مديراً عاماً لقناة «العرب» الإخبارية التي كان مقرها في المنامة، والتي كانت مملوكة للأمير الوليد بن طلال، ولكن سرعان ما أغلقت بطريقة غامضة أيضاً. وعمل خاشقجي منذ 2004، مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل -المدير العام للاستخبارات العامة السعودية سابقاً- والسفير السعودي السابق في لندن، ثم الولايات المتحدة الأميركية.
لكن هذه العلاقة لم تدم طويلاً
فقد أصدرت الخارجية السعودية بياناً في كانون الأول/ديسمبر 2015، وآخر في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 للتأكيد على أن جمال خاشقجي لا يمثل المملكة محذرة من التعامل معه على أساس تمثيله لأي جهة رسمية سعودية. ومنعت مقالات خاشقجي في صحيفة الحياة اللندنية المملوكة للأمير خالد بن سلطان في أيلول/سبتمبر 2017 عقب كتابته تغريدة تضامن فيها مع الشيخ يوسف القرضاوي والشيخ سلمان العودة.




وكان مؤيداً لبعض سياسات السعودية خاصة الخارجية منها
في مقاله «عن صديقه جمال خاشقجي» قال الصحفي البريطاني ديفيد هيرست إن خاشقجي
أيَّد -مبدئياً على الأقل- الحرب التي تقودها السعودية على اليمن. ومثل كثيرٍ من المُحلِّلين العرب السُنَّة، اعتقد أنَّ إيران قد تمادت في نشر نفوذها في العالم العربي السُنِّي، وأنَّ الوقت قد حان للمملكة السعودية كي تصدها. فضلاً عن أنَّه دافع عن عقوبة الإعدام. وأيَّد حملةً قمعية على الفساد – «في حال كانت صادقة». وأيَّد أيضاً محاولات تنويع الاقتصاد المُعتمِد على النفط وخصخصته. لكنَّ خاشقجي كان متمسِّكاً بمبدأ واحد، هو أنَّ الدائرة الصغيرة المُلتفَّة حول محمد بن سلمان لا يمكنها التحمُّل، وهو ما أكسبه عداءهم المُطلَق. وكان خاشقجي صادقاً. لم يكن من الممكن شراء ذمته. إذ أعلن رأيه، وكان واضحاً فيما يقول.

لكن «المملكة لم تكن بهذا القمع
هكذا عنون خاشقجي مقاله الأول في الصحيفة الأمريكية، مضيفاً «السعودية لم تكن بهذا القمع.. الآن لا تُطاق»، مُتحدثًا عن «حملة الاعتقالات الواسعة» التي طالت عددًا من المثقفين ورجال الدين في المملكة. وأضاف خاشقجي
«مع صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى السلطة، وعد بتبنّي إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدّث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحًا وتسامحًا، كما وعد بأنه سيأخذ بعين الاعتبار الأمور التي تقوّض تقدمنا، مثل حظر المرأة من قيادة السيارة، لكنني لا أشهد الآن سِوى موجة اعتقالات
.
وتنبأ باستهدافه شخصياً
وأضاف الكاتب السعودي فيما يشبه تفسيراً لعداء السلطة السعودية له إن
«المشهد كان دراماتيكيًا إلى حد كبير، إذ احتل رجال الأمن المُلثّمين المنازل حاملين كاميرات، صوّروا بها كل ما جرى، وصادروا ممتلكات الأشخاص من أوراق وكتب وأجهزة كمبيوتر. وذكر أن المُعتقلين وُجّهت إليهم تُهم تتمثّل في تلقّي أموال قطرية، إضافة إلى كونهم جزءًا من مؤامرة مدعومة من قطر، فيما اختار عدة آخرون -من بينهم أنا- المنفى «طوعًا»، وربما نواجه القبض علينا في حال عودتنا إلى الوطن.

باختصار: كان جمال خاشقجي وطنياً حريصاً على بلاده، وكان يأمل ألا يقطع حبال الود مع السلطات الحاكمة التي كان ناصحاً لها وآملاً أن تغير سياساتها وتعود لصوابها، لكنه فقد الأمل مؤخراً في أعقاب الأزمة الخليجية وحملات الاعتقال الواسعة في المملكة، وإضافة لذلك فقد كان حريصاً على صورة بلاده في الخارج، وهي الصورة التي ستتضرر كثيراً في الوقت الراهن.

قراءة المقال من المصدر:

https://arabicpost.net/politics/2018/10/07/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82%D9%8F%D8%AA%D9%84-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%AE%D8%A7%D8%B4%D9%82%D8%AC%D9%8A%D8%9F-%D8%A5%D9%84%D9%8A%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A7/

من هو جوليان أسانج؟... تعرف على مسرب الوثائق السرية الذي تريده أمريكا بأي ثمن

يعد جوليان أسانج في نظر أنصاره أحد الباحثين المناضلين بقوة من أجل الوصول للحقيقة. لكنه في نظر منتقديه شخص يبحث عن الشهرة عرّض حياة كثي...

بحث هذه المدونة الإلكترونية

بحث هذه المدونة الإلكترونية

Animation - Scroll IMG (yes/no)

Fixed Menu (yes/no)

Related Posts No. (ex: 9)

PageNavi Results No. (ex: 7)

الصفحة الأولى

Facebook

Advertising

ad

جميع الحقوق محفوظه © Arabs news عرب نيوز

تصميم الورشه